فصل: تابع

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الخِطط المقريزية المسمى بـ «المواعظ والاعتبار بذكر الخِطط والآثار» **


 ويقال‏:‏ كانت عدة الأهرام ثمانية عشر هرمًا منها تجاه مدينة الفسطاط ثلاثة‏:‏ أكبرها دوره ألفا ذراع وهو مربع في كل وجه من وجوهه الأربعة خمسمائة ذراع ويقال‏:‏ إن المأمون لما فتحه وجد فيه حوضًا من حجر مغطى بلوح من رخام وهو مملوء بالذهب وعلى اللوح مكتوب بقلم عُرّبَ فكان‏:‏ إنَّا عمرنا هذا الهرم في ألف يوم وأبحنا لمن يهدمه في ألف سنة والهدم أسهل من العمارة وكسونا جميعه بالديباج وأبحنا لمن يكسوه الحصر والحصر أيسر من الديباج وجعلنا في كل جهة من جهاته ما لا يقدر ما يصرف على الوصول إليه فأمر المأمون أن يحسب ما صرف على النقب فبلغ قدر ما وجد في الحوض من غير زيادة ولا نقص‏.‏

ويقال‏:‏ إنه وجد فيه صورة آدمي من حجر أخضر كالدهنج فيها طبق كالدواة ففتح فإذا فيه جسد آدميّ عليه درع من ذهب مزين بأنواع الجواهر وعلى صدره نصل سيف لا قيمة له وعند رأسه حجر من ياقوت أحمر في قدر بيضة الدجاجة فأخذه المأمون وقال‏:‏ هذا خير من خراج الذهب‏.‏

وذكر بعض مؤرخي مصر‏:‏ أنَّ هذا الصنم الأخضر الذي وجدت الرمة فيه لم يزل معلقًا عند دار الملك بمدينة مصر إلى سنة إحدى عشرة وستمائة من سني الهجرة‏.‏

وكان عند مدينة فرعون هرمان وعند ميدوم هرم وهذا آخرها‏.‏

وفي سنة تسع وسبعين وخمسمائة من سني الهجرة ظهر بتربة بوصير من ناحية الجيزة بيت هرميس ففتحه القاضي ابن الشهرزوري وأخذ منه أشياء من جملتها كباش وقرود وضفادع من حجر بازهر وقوارير من دهنج وأصنام من نحاس‏.‏

وقال ابن خرداذبه‏:‏ من عجيب البنيان أن الهرمين بمصر سمك كل واحد منهما أربعمائة ذراع وكلما ارتفع دق وهما من رخام ومرمر والطول أربعمائة ذراع في عرض أربعمائة ذراع مكتوب عليهما‏:‏ باليد كل سحر وكل عجيب من الطب ومكتوب عليهما‏:‏ إني بنيتهما فمن يدّعي قوّة في ملكه فليهدمهما فإن الهدم أيسر من البناء فاعتبر ذلك فإذا خراج الدنيا لا يفي بهدمهما‏.‏

وقال في كتاب عجائب البنيان عن الأهرام‏:‏ قد انفردت مصر بهذه الأشكال فليس لها بغيرها تمثال يظنهما الناظر للديار المصرية نهدين ويحسبهما القابل أن مكارم أهلها قد أعدّتهما للتكرم ابلوجين تراهما العين على بعد المسافة وإذا حدثت عن عجائبهما يُظنّ أنه حديث خرافة وقد أكثر الناس في ذكر الأهرام ووصفها ومساحتها وهي كثيرة العدد جدًّا وكلّها ببرّ الجيزة على سمت مصر القديمة تمتدّ نحوًا من مسافة ثلاثة أيام وفي بوصير منها شيء كثير وبعضها كبار وبعضها صغار وبعضها طين وبعضها لبن وأكثرها حجر وبعضها مدرج وأكثرها مخروط وقد كان منها بالجيزة‏:‏ عدد كثير كلها صغار هُدمت في زمن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب على يد الطواشي‏:‏ بهاء الدين قراقوش أخذ حجارتها وبنى بها القناطر في الجيزة وقد بقي من هذه الأهرام المهدومة تَلها‏.‏ وأمّا

 

الأهرام المتحدّث عنها

فهي‏:‏ ثلاثة أهرام موضوعة على خط مستقيم بالجيزة قبالة الفسطاط وبينها مسافات كثيرة وزوايا متقابلة نحو الشرف واثنان عظيمان جدًّا في قدر واحد وهما متقاربان ومبنيان بالحجارة البيض وأما الثالث‏:‏ فصغير عنهما نحو الربع لكنه مبنيّ بحجارة الصوّان الأحمر المنقط الشديد القوّة والصلابة ولا يكاد يؤثر فيه الحديد إلا في الزمان الطويل وتجده صغيرًا بالقياس إلى ذينك فإذا أتيت إليه وأفردته بالنظر هالك مرآه وحَير النظر في تأمله‏.‏

وقد سلك في بناء الأهرام طريق عجيب من الشكل والإتقان ولذلك صبرت على ممرّ الأيام لا بل على ممرّها صبر الزمان فإنك إذا تأملتها وجدت الأذهان الشريفة قد استهلكت فيها والعقول الصافية قد أفرغت عليها مجهودها والأنفس النيرة قد أفاضت عليها أشرف ما عندها والملكات الهندسية قد أخرجتها إلى الفعل مثالًا في غاية إمكانها حتى أنها تكاد تحدث عن قوّة قومها وتخبر عن سيرتهم وتنطق عن علومهم وأذهانهم وتترجم عن سيرهم وأخبارهم وذلك أن وضعها على شكل مخروط ويبتدئ من قاعدة مربعة وينتهي إلى نقطة‏.‏

ومن خواص الشكل المخروط‏:‏ أن مركز ثقله في وسطه يتساند على نفسه ويتواقع على ذاته ويتحامل بعضه على بعض وليس له جهة أخرى يتساقط عليها‏.‏

ومن عجيب وضعه أنه شكل مربع قد قوبل بزوايا مهاب الرياح الأربع فإن الريح تنكسر سورتها عند مسامتتها الزاوية وليست كذلك عندما تلقي السطح‏.‏

وذكر المساح‏:‏ أنَّ قاعدة كل من الهرمين العظيمين أربعمائة ذراع بالذراع السوداء وينقطع المخروط في أعلاه عند سطح مساحته عشرة أذرع في مثلها وذكر أن بعض الرماة رمى سهمًا في قطر أحدهما وفي سمكه فسقط السهم دون نصف المسافة وذكر أنَّ ذرع سطحها أحد عشر ذراعًا بذراع اليد وفي أحد هذين الهرمين مدخل يلجه الناس يفضي بهم إلى مسالك ضيقة وأسراب متنافذة وآبار ومهالك وغير ذلك على ما يحكيه من يلجه وإنَّ أناسًا كثيرين لهم غرام به وتحيل فيه فيتوغلون في أعماقه ولا بدّ أن ينتهوا إلى ما يعجزون عن سلوكه‏.‏

وأما المسلوك المطروق كثيرًا فزلاقة تفضي إلى أعلاه فيوجد فيه بيت مربع فيه ناوس من حجر وهذا المدخل ليس هو الباب في أصل البناء إنما هو منقوب نقبًا صادف اتفاقًا وذكر أن المأمون فتحه‏.‏

وحكى من دخله وصعد إلى البيت الذي في أعلاه فلما نزلوا حدّثوا بعظيم ما شاهدوه وإنه مملوء بالخفافيش وأبوالها وتعظم فيه حتى تكون قدر الحمام وفيه طاقات وروازن نحو أعلاه كأنها عملت مسالك للريح ومنافذ للضوء بحجارة جافية طول الحجر منها‏:‏ من عشرة أذرع إلى عشرين ذراعًا وسمكه من ذراعين إلى ثلاثة أذرع وعرضه نحو ذلك‏.‏

والعجب كل العجب من وضع الحجر على الحجر بهندام ليس في الإمكان أصح منه بحيث لا نجد بينهما مدخل إبرة ولا خلل شعرة وبينهما طين لونه الزرقة لا يُدرى ما هو ولا صفته وعلى تلك الحجارة كتابات بالقلم القديم المجهول الذي لم يوجد بديار مصر من يزعم أنه سمع من يعرفه وهذه الكتابات كثيرة جدًّا حتى لو نقل ما عليها إلى صحف لكانت قدر عشرة آلاف صحيفة وقرأت في بعض كتب الصابئة القَديمة‏:‏ أن أحد هذين الهرمين قبر أعاديمون والآخر قبر هرمس ويزعمون أنهما بيتان عظيمان وأن أعاديمون أقدم وأعظم وإنَّه كان يُحجج إليهما ويُهدى إليهما من أقطار البلاد‏.‏

وكان الملك العزيز عثمان بن صلاح الدين يوسف بن أيوب لما استقل بالملك بعد أبيه سوّل له جَهلة أصحابه أن يهدم هذه الأهرام فبدأ بالصغير الأحمر فأخرج إليه النقابين والحجارين وجماعة من أمراء دولته وعظماء مملكته وأمرهم بهدمه فخيموا عنده وحشروا الرجال والصناع ووفروا عليهم النفقات وأقاموا نحو ثمانية أشهر بخيلهم ورجلهم يهدمون كل يوم بعد الجهد واستفراغ بذل الوسع الحجر والحجرين فَقَوم من فوق يدفعونه بالأسافين وقوم من أسفل يجذبونه بالقلوس والأشطان فإذا سقط سمع له وجبة عظيمة من مسافة بعيدة حتى ترجف الجبال وتزلزل الأرض ويغوص في الرمل فيتعبون تعبًا آخر حتى يخرجوه ويضربون فيه بالأسافين بعدما ينقبون لها موضعًا ويثبتونها فيه فيتقطع قطعًا وتسحب كل قطعة على العجل حتى يُلقي في ذيل الجبل وهي مسافة قريبة فلما طال ثواءهم ونفدت نفقاتهم وتضاعف نصبهم ووهت عزائمهم كفوا محسورين لم ينالوا بغيةً بل شوّهوا الهرم وأبانوا عن عجز وفشل وكان ذلك في سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة ومع ذلك فإن الرائي لحجارة الهرم يظنّ أنه قد استؤصل فإذا عاين الهرم ظنّ أنه لم يهدم منه شيء وإنما سقط بعض جانب منه وحين ما شوهدت المشقة التي يجدونها في هدم كل حجر سئِل مقدّم الحجارين فقيل له‏:‏ لو بذل لكم السلطان ألف دينار على أن تردّوا حجرًا واحدًا إلى مكانه وهندامه هل كان يمكنكم‏.‏

فأقسم باللّه إنهم ليعجزون عنه ولو بذل لهم أضعاف ذلك‏.‏

وبإزاء الأهرام مغاير كثيرة العدد‏.‏

كبيرة المقدار عميقة الأغوار لعلّ الفارس يدخلها برمحه ويتخللها يومًا أجمع ولا ينهيها لكبرها وسعتها وبعدها ويظهر من حالها أنها مقاطع حجارة وأما مقاطع حجارة الهرم الأحمر فيقال‏:‏ إنها بالقلزم وبأسوان وعند هذه الأهرام آثار أبنية جبابرة ومغاير كثيرة منقبة وقلما ترى من ذلك شيئًا إلا وترى عليه كتابات بهذا القلم المجهول وللّه در الفقيه عمارة اليمنيّ حيث يقول‏:‏ خليليّ ما تحت السماء بنية تماثل في إتقانها هرمي مصر بناء يخاف الدهر منه وكلّ ما على ظاهر الدنيا يخاف من الدهر تنزه طرفي في بديع بنائها ولم يتنزه في المراد بها فكري أخذ هذا من قول بعض الحكماء كل شيء يُخشى عليه من الدهر إلا الأهرام فإنه يخشى على الدهر منها وقال عبد الوهاب بن حسن بن جعفر بن الحاجب ومات في سنة سبع وثمانين وثلثمائة‏:‏ انظر إلى الهرمين إذ برزا للعين في علو وفي صعد وكأنما الأرض العريضة قد ظمئت لطول حرارة الكبد حسرت عن الثديين بارزة تدعو الإله لفرقة الولد فأجابها بالنيل يشبعها ريًا وينقذها من الكمد لكرامة المولى المقيم بها خير الأنام مقوّم الأود لله أيّ عجيبة وغريبة في صنعة الأهرام للألباب أخفت عن الأسماع قصة أهلها ونضت عن الأبداع كل نقاب فكأنما هي كالخيام مقامة من غير ما عمد ولا أطناب وقال آخر‏:‏ انظر إلى الهرمين واسمع منهما ما يرويان عن الزمان الغابر وانظر إلى سرّ الليالي فيهما نظرًا بعين القلب لا بالناظر لو ينطقان لخبرانا بالذي فعل الزمان بأوّلِ وبآخر وإذا هما بديا لعيني ناظرٍ وصفا له أذني جواد عائر وقال الإمام أبو العباس أحمد بن يوسف التيفاشي‏:‏ ألست ترى الأهرام دام بناؤها ويفني لدينا العالم الإنس والجنّ كأن رحى الأفلاك أكوارها على قواعدها الأهرام والعالم الطحن وقال‏:‏ قد كان للماضين من سكان مصرهم وانظر تراها ظاهرًا بادٍ عليها الهرم وقال‏:‏ خليليّ لا باقر على الحدثان من الأوّل الباقي فيحدث ثاني إلى هرمي مصر تناهت قوى الورى وقد هرمت في دهرها الهرمان فلا تعجبا أن قد هرمت فإنما رماني بفقدان الشباب زماني وعوجا بقرطاجنة فانظرا بها جنايتي العادين تنتحبان وإيوان كسرى فانظراه فإنه يخبر كما بالصدق كل أوان فلا تحسبا أن الفناء يخصني ألا كل ما فوق البسيطة فاني ووجدت بخط الشيخ شهاب الدين أحمد بن يحيى بن أبي حجلة التلمساني أنشدني القاضي فخر الدين عبد الوهاب المصريّ لنفسه في الأهرام سنة خمس وخمسين وسبعمائة وأجاد‏:‏ أمباني الأهرام كم من واعظٍ صدع القلوب ولم يفه بلسانه اذكرنني قولًا تقادم عهده أين الذي الهرمان من بنيانه هنّ الجبال الشامخات تكاد أن تمتدّ فوق الأرض عن كيوانه والشمس في إحراقها والريح عن د هبوبها والسيل في جريانه هل عابد قد خصها بعبادةِ فمباني الأهرام من أوثانه أو قائل يقضي برجعي نفسه من بعد فرقته إلى جثمانه فاختارها لكنوزه ولجسمه قبرًا ليأمن من أذى طوفانه أو أنها للسائرات مراصد يختار راصدها أعز مكانه أو أنها وصفت شؤون كواكب أحكام فرس الدهر أو يونانه أو أنهم نقشوا على حيطانها علمًا يحار الفكر في تبيانه في قلب رائيها ليعلم نقشها فكر يعض عليه طرف بنانه ذكر الصنم الذي يقال له أبو الهول هذا الصنم بين الهرمين عرف أوّلًا ببلهيب وتقول أهل مصر اليوم أبو الهول‏.‏

قال القضاعي‏:‏ صنم الهرمين وهو بلهويه صنم كبير من حجارة فيما بين الهرمين لا يظهر منه سوى رأسه فقط تسميه العامة بأبي الهول ويقال‏:‏ بلهيب ويقال‏:‏ إنه طلسم للرمل لئلا يغلب على إبليز الجيزة‏.‏

وقال في كتاب عجائب البنيان‏:‏ وعند الأهرام رأس وعنق بارزة من الأرض في غاية العظم تسميه الناس‏:‏ أبا الهول ويزعمون أن جثته مدفونة تحت الأرض ويقتضي القياس بالنسبة إلى رأسه أن يكون طوله سبعين ذراعًا فصاعدًا وفي وجهه حمرة ودهان يلمع عليه رونق الطراوة وهو حسن الصورة مقبولها عليه مسحة بهاء وجمال كأنه يضحك تبسمًا‏.‏

وسئل بعض الفضلاء عن عجيب ما رأى فقال‏:‏ تناسب وجه أبي الهول فإن أعضاء وجهه كالأنف والعين والأذن متناسبة كما تصنع الطبيعة الصور متناسبة فإن أنف الطفل مثلًا مناسب له وهو حسن به حتى لو كان ذلك الأنف لرجل كان مشوّهًا وكذلك أنف الرجل لو كان لصبي لتشوّهت صورته وعلى هذا سائر الأعضاء فكل عضو ينبغي أن يكون على مقدار ماهيته بالقياس إلى الصورة وعلى نسبتها والعجب من مصوّره كيف قدر أن يحفظ التناسب ويقابله في برّ مصر قريبًا من دار الملك‏:‏ صنم عظيم الخلقة والهيئة متناسب الأعضاء كما وصف وفي حجره مولود وعلى رأسه مأجور الجميع صوّان ماتع يزعم الناس أنه امرأة وأنها سريّة أبي الهول المذكور وهي بدرب منسوب إليها ويقال‏:‏ لو وضع على رأس أبي الهول خيط ومدّ إلى سريته لكان على رأسها مستقيمًا‏.‏

ويقال‏:‏ إن أبا الهول طلسم الرمل يمنعه عن النيل وإنّ السرية طلسم الماء يمنعه عن مصر‏.‏

وقال ابن المتوّج‏:‏ زقاق الصنم هو الزقاق الشارع أوّله بأوّل السوق الكبير بجوار درب عمار ويعرف الصنم بسرية فرعون وذكر أنه طلسم النيل لئلا يغلب على البلد‏.‏

وقيل‏:‏ إن بلهيب الذي عند الأهرام يقابله وإنّ ظهر بلهيب إلى الرمل وظهر هذا إلى النيل وكل منهما مستقبل الشرق وقد نزل في سنة إحدى عشرة وسبعمائة أمير يعرف ببلاط في نفر من الحجارين والقطاعين وكسروا الصنم المعروف بالسرية وقطعوه أعتابًا وقواعد ظنًا أن يكون تحته مال فلم يوجد سوى أعتاب من حجر عظيمة فحفر تحتها إلى الماء فلم يوجد شيء وجعل من حجرة قواعد تحتانية للعمد الصوّان التي بالجامع المستجد بظاهر مصر المعروف‏:‏ بالجامع الجديد الناصريّ وأزيل عين هذا الصنم من مكانه والله أعلم‏.‏

وفي زمننا كان شخص يعرف بالشيخ محمد صائم الدهر من جملة صوفية الخانقاه الصلاحية سعيد السعداء قام في نحو من سنة ثمانين وسبعمائة لتغيير أشياء من المنكرات وسار إلى الأهرام وشوّه وجه أبي الهول وشعثه فهو على ذلك إلى اليوم ومن حينئذٍ غلب الرمل على أراضٍ كثيرة من الجيزة وأهل تلك النواحي يرون أن سبب غلبة الرمل على الأراضي فساد وجه أبي الهول وللّه عاقبة الأمور وما أحسن قول ظافر الحدّاد‏:‏ تأمّل هيئة الهرمين واعجب وبينهما أبو الهول العجيب كعمار يبتن على رحيل بمحبوبين بينهما رقيب وماء النيل تحتهما دموع وصوت الريح عندهما نحيب وظاهر سجن يوسف مثل صب تخلف فهو محزون كئيب ويقال‏:‏ إن أتريب بن قبط بن مصر بن بيصر بن حام بن نوح أوصى أخاه صا عند موته أن يحمله في سفينة ويدفنه بجزيرة في وسط البحر فلما مات فعل ذلك من غير أن يعلم به أهل مصر فاتهمه الناس بقتل أتريب وحاربوه تسع سنين فلما مضى من حربهم خمس سنين مضى بهم حتى أوقفهم على قبر أتريب فحفروه فلم يجدوا به شيئًا وقد نقلته الشياطين إلى موضع أبي الهول ودفنته هناك بجانب قبر أبيه وجدّه بيصر فازدادوا له تهمة وعادوا إلى مدينة منف وتحاربوا فأتاهم إبليس فدلهم على قبر أتريب حيث نقله فأخرجوه من قبره ووضعوه على سرير فتكلم لهم الشيطان على لسانه حتى افتتنوا به وسجدوا له وعبدوه فيما عبدوا من الأصنام وقتلوا صا ودفنوه على شاطئ النيل فكان النيل إذا زاد لا يعلو قبره فافتتن به طائفة وقال‏:‏ قتل ظلمًا وصاروا يسجدون لقبره كما يسجد أولئك لأتريب فعمد آخرون إلى حجر فنحتوه على صورة أشموم وكان يقال له‏:‏ أبو الهول ونصبوه بين الهرمين وجعلوا يسجدون له فصار أهل مصر ثلاث فرق ولم تزل الصابئة تعظم أبا الهول وتقرّب إليه الديكة البيض وتبخره بالصندروس‏.‏

 ذكر الجبال اعلم أنّ أرض مصر بأسرها محصورة بين جبلين آخذين من الجنوب إلى الشمال قليلي الارتفاع وأحدهما أعظم من الآخر والأعظم منهما هو الجبل الشرقيّ المعروف بجبل لوقا والغربي جبل صغير وبعضه غير متصل ببعض والمسافة بينهما تضيق في بعض المواضع وتتسع في بعضها وأوسع ما يكون بأسفل أرض مصر وهذان الجبلان أقرعان لا يثبت فيهما نبات كما يكون في جبال البلدان الأخر وعلة ذلك‏:‏ أنهما بورقيان مالحان لأنّ قوّة طين مصر تجذب منهما الرطوبات الموافقة في التكوين ولأنّ قوّة الحرارة تحلل منهما الجوهر اللطيف العذب وكذلك مياه الآبار منهما مالحة وهذان الجبلان يجففان ما يدفن فيهما فإن أرض مصر بالطبع قليلة الأمطار‏.‏

وجبل لوقا في مشرق أرض مصر يعوق عنها ريح الصبا فعدمت مصر هذا الريح ويعوق أيضًا إشراق الشمس على أرض مصر إذا كانت على الأفق وتتعدّد أسماء هذين الجبلين بحسب مواضعهما من الإقليم فيطلّ على الفسطاط وعلى القاهرة الجبل المقطم‏.‏

ذكر الجبل المقطم اعلم أنّ الجبل المقطم أوّله من الشرق من الصين حيث البحر المحيط ويمرّ على بلاد الططر حتى يأتي فرغانة إلى جبال اليتم الممتدّ بها نهر السغد إلى أن يصل الجبل إلى جيحون فيقطعه ويمضي في وسطه بين شعبتين منه وكأنه قطع ثم في وسطه ويستمرّ الجبل إلى الجورجان ويأخذ على الطالقان إلى أعمال مرو الرود إلى طوس فيكون جميع مدن طوس فيه ويتصل به جبال أصبهان وشيراز إلى أن يصل إلى البحر الهندي وينعطف هذا الجبل ويمتدّ إلى شهر زور فيمرّ على الدجلة ويتصل بجبل الجوديّ موقف سفينة نوح عليه السلام في الطوفان ولا يزال هذا الجبل مستمرًّا من أعمال آمد وميافارقين حتى يمرّ بثغور حلب فيسمى هناك جبل اللكام إلى أن يعدّي الثغور فيسمى نهرًا حتى يجاوز حمص فيسمى لبنان ثم يمتدّ على الشام حتى ينتهي إلى بحر القلزم من جهة ويتصل من الجهة الأخرى ويسمى المقطم ثم يتشعب ويتصل أواخر شعبه بنهاية الغرب‏.‏

ويقال‏:‏ إنه عرف بمقطم بن مصر بن بيصر بن حام بن نوح عليه السلام‏.‏

وجبل المقطم‏:‏ يمرّ على جانبي النيل إلى النوبة ويعبر من فوق الفيوم فيتصل بالغرب إلى أرض وقال إبراهيم بن وصيف شاه‏:‏ وذكر مجيء مصرايم بن بيصر بن حام بن نوح إلى أرض مصر وكشف أصحاب إقليمون الكاهن عن كنوز مصر وعلومهم التي هي بخط البرابي وآثارهم والمعادن من الذهب والزبرجد والفيروزج وغير ذلك‏.‏

ووصفوا لهم عمل الصنعة يعني الكيمياء فجعل مصرايم أهلها إلى رجل من أهل بيعة يقال له‏:‏ مقيطام الحكيم فكان يعمل الكيمياء في الجبل الشرقي فسمي به‏:‏ المقطم من أجل أنَّ مقيطام الحكيم كان يعمل فيه الكيمياء واختصر من اسمه وبقي ما يدل عليه فقيل له‏:‏ جبل المقطم يعني جبل مقيطام الحكيم‏.‏

وقال البكري رحمه اللّه تعالى عليه‏:‏ المقطم بضم أوّله وفتح ثانيه وتشديد الطاء المهملة وفتحها‏:‏ جبل متصل بمصر يوارون فيه موتاهم‏.‏

وقال القضاعي‏:‏ المقطم ذكر أبو عبد الله اليمنيّ أنّ هذا الجبل باسمه وليس هذا بصحيح لأنه لا يعرف لمصر ولد اسمه المقطم‏.‏

والذي ذكره العلماء‏:‏ أنّ المقطم مأخوذ من القطم وهو القطع فكأنه لما كان منقطع الشجر والنبات سمي‏:‏ مقطمًا ذكر ذلك عليّ بن الحسن الهناءي الدوسي المنبوذ بكراع وغيره‏.‏

وروى عبد الرحمن بن عبد اللّه بن عبد الحكم عن الليث بن سعد رضي اللّه عنه قال‏:‏ سأل المقوقس عمرو بن العاص رضي الله عنه أن يبيعه سفح الجبل المقطم بسبعين ألف دينار وفي نسخة‏:‏ بعشرين ألف دينار فعجب عمرو من ذلك وقال‏:‏ اكتب بذلك إلى أمير المؤمنين فكتب بذلك إلى عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه فكتب إليه عمر‏:‏ سله لم أعطاك به ما أعطاك وهي لا تزرع ولا يستنبط بها ماء فسأله فقال‏:‏ إنا لنجد صفتها في الكتب أن فيها غراس الجنة فكتب بذلك إلى عمر فكتب إليه‏:‏ إنا لا نعلم غراس الجنة إلا المؤمنين فاقبر فيها من مات قبلك من المؤمنين ولا تبعه بشيء فكان أوّل من قبر فيها رجلًا من المعافر يقال له‏:‏ عامر فقيل‏:‏ عمرت فقال المقوقس لعمرو‏:‏ وما ذلك وما على هذا عاهدتنا فقطع لهم الحدّ الذي بين المقبرة وبينهم‏.‏

وذكر عمر بن أبي عمر الكندي في فضائل مصر‏:‏ أن عمرو بن العاص رضي الله عنه سار في سفح الجبل المقطم ومعه المقوقس فقال له‏:‏ ما لجبلكم هذا أقرع أليس به نبات كجبال الشام فلو شققنا في أسفله نهرًا من النيل وغرسناه نخلًا فقال المقوقس‏:‏ وجدنا في الكتب أنه كان أكثر الجبال أشجارًا ونباتًا وفاكهة وكان منزل المقطم بن مصر بن بيصر بن حام بن نوح عليه السلام فلما كانت الليلة التي كلم الله فيها موسى عليه السلام أوحى اللّه إلى الجبال إني مكلم نبيًا من أنبيائي على جبل منكم فسمت الجبال كلها وتشامخت إلا جبل بيت المقدس فإنه هبط وتصاغر فأوحى اللّه إليه لم فعلت ذلك‏.‏

وهو به أخبر فقال‏:‏ إعظامًا وإجلالًا لك يا رب قال‏:‏ فأمر اللّه سبحانه الجبال أن يحبوه كل جبل بما عليه من النبت فجادله المقطم بكل ما عليه من النبت حتى بقي كما ترى فأوحى اللّه إليه‏:‏ إني معوّضك على فعلك بشجر الجنة أو غراس الجنة فكتب بذلك عمرو بن العاص رضي الله عنه إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فكتب إليه عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه‏:‏ إني لا أعلم شجر الجنة غير المؤمنين فاجعله لهم مقبرة ففعل فغضب المقوقس من ذلك وقال لعمرو‏:‏ ما على هذا صالحتني فقطع له عمر قطيعًا نحو الحبش تدفن فيه النصارى‏.‏

قال‏:‏ وروي أن موسى عليه السلام سجد فسجد معه كل شجرة من المقطم إلى طرا‏.‏

وروي أنه مكتوب وإذا فتح مقدسي يريد وادي مسجد موسى عليه السلام بالمقطم عند مقطع الحجارة فإن موسى عليه السلام كان يناجي ربه بذلك الوادي‏.‏

وروى أسد بن موسى قال‏:‏ شهدت جنازة مع موسى بن لهيعة فجلسنا حوله فرفع رأسه فنظر إلى الجبل فقال‏:‏ إنّ عيسى ابن مريم عليه السلام مرّ بسفح هذا الجبل وعليه جبة صوف وقدّ شد وسطه بشريط وأمّه إلى جانبه فالتفت إليها وقال‏:‏ يا أمّه هذه مقبرة أمّة محمد صلى الله عليه وسلم وروى عبد اللّه بن لهيجة عن عياش بن عباس‏:‏ أن كعب الأحبار رضي الله عنه سأل رجلًا يريد مصر فقال له‏:‏ اهدني تربة من سفح مقطمها فأتاه منه بجراب فلما حضرت كعبًا الوفاة أمر به فجعل في لحده تحت جثته‏.‏وروي عن كعب أنه سئل عن جبل مصر فقال‏:‏ إنه لمقدس ما بين القصير إلى اليحموم قال ابن لهيعة‏:‏ والمقطم‏:‏ ما بين القصير إلى مقطع الحجارة وما بعد ذلك فمن اليحموم وفي هذا الجبل حجر الجوهر وشيء من الفولاذ وهو يمتدّ إلى أقاصي بلاد السودان‏.‏

الجبل الأحمر هذا الجبل مطلّ على القاهرة من شرقيها الشماليّ ويعرف‏:‏ باليحموم‏.‏

قال القضاعيّ‏:‏ اليحاميم هي‏:‏ الجبال المتفرّقة المطلة على القاهرة من جانبها الشرقيّ وجبابها وتنتهي هذه الجبال إلى بعض طرق الجب وقيل لها‏:‏ اليحاميم لاختلاف ألوانها واليحموم في كلام العرب الأسود المظلم‏.‏

وقال ابن عبد الحكم عن سعي بن عبيد أنه لما قدم مصر وأهل مصر قد اتخذوا مُصلى بحذاء ساقية أبي عون التي في العسكر فقال‏:‏ ما لهم وضعوا مصلاهم في الجبل الملعون وتركوا الجبل المقدس يعني المقطّم‏.‏

وقال ابن عبد الظاهر‏:‏ الجبل الأحمر ذكر القضاعيّ‏:‏ أن اليحموم هو‏:‏ الجبل المطل على القاهرة ولا أرى جبلًا يطلّ على القاهرة غيره‏.‏

وقال البكري‏:‏ اليحموم بفتح أوّله وإسكان ثانيه‏.‏

قال الحربي‏:‏ اليحموم‏:‏ جبل بمصر‏.‏

وروي من طريق أبي قبيل عن عبد اللّه بن عمرو‏:‏ أنه سأل كعبًا عن المقطم‏:‏ أملعون قال‏:‏ ليس بملعون ولكنه مقدس من القصير إلى اليحموم‏.‏

وذكر البكريّ أيضًا‏:‏ أنّ عابدًا بالباء الموحدة والدال المهملة على وزن فاعل‏:‏ جبل بمصر قبل جبل يشكر هذا الجبل فيما بين القاهرة ومصر عليه الجامع الطولوني‏.‏

قال القضاعيّ‏:‏ جبل يشكر‏:‏ هو يشكر بن جديلة من لخم وهو الذي عليه جامع ابن طولون ويشكر بن جديلة‏:‏ قبيلة من قبائل العرب احتطت عند الفتح بهذا الجبل فعرف بجبل يشكر لذلك‏.‏

قال ابن عبد الظاهر‏:‏ وجامع ابن طولولن على جبل يشكر وهو مكان مشهور بإجابة الدعاء ومكان مبارك وقيل‏:‏ إن موسى عليه السلام ناجى ربه عليه بكلمات وكان هذا الجبل يشرف على النيل وليس بينه وبين النيل شيء وكان يشرف على البركتين أعني بركة الفيل والبركة التي تعرف اليوم‏:‏ ببركة قارون وعلى هذا الجبل كانت تنصب المجانيق التي تجرّب قبل إرسالها إلى الثغور‏.‏

الكبش‏:‏ هو جبل بجوار يشكر كان قديمًا يشرف على النيل من غربيه ثم لما اختط المسلمون مدينة الفسطاط بعد فتح أرض مصر صار الكبش من جملة خطة الحمراء القصوى وسمي‏:‏ الكبش‏.‏

الشرف‏:‏ اسم لثلاثة مواضع فاثنان منها‏:‏ فيما بين القاهرة ومصر وواحد فيما بين بركة الحبش وفسطاط مصر فأما الذي بظاهر القاهرة فأحدهما عليه الآن قلعة الجبل وهو من جملة الجبل المقطم والآخر‏:‏ فيما بين الجامع الطولونيّ ومصر فيشرف غربيه على جهة الخليج الكبير ويصير فيما بين كوم الجارح وخط الجامع الطولونيّ وكان من خطة تجيب ثم صار من جملة العسكر وأما الشرف الثالث فيعرف اليوم‏:‏ بالرصد وهو يشرف على راشدة وكان يقال للشرف‏:‏ سند والسند‏:‏ ما قابلك من الجبل وعلا من السفح ويقال‏:‏ فلان سند أي‏:‏ معتمد‏.‏